|
لو لم أكن سودانيا |
القراء :
3343 |
يضطر الإنسان للسفر والاغتراب بحثا عن العمل و"لقمة العيش"، وتأتي صعوبة الغربة في البعد عن الأهل والأصدقاء، إضافة إلى الحياة في مجتمع تختلف تقاليده وعاداته ونظامه الاجتماعي إلى حدما مع نظام الوطن الأم.. السودانيين المقيمين في السعودية كانوا حريصين على القضاء الإحساس بالغربة وتحقيق التواصل بينهم، فلجأوا إلى تكوين "جمعيات" تحمل أسماء بلادهم، وتضم في عضويتها أبناء المدينة الواحدة أو المهنة الواحدة...
يقول لنا أحمد إسماعيل- محاسب سوداني : "إن الجمعيات السودانية تنتشر في كافة الأراضي السعودية، وأن نشأتها جاءت تعبيرا عن ثقافة مجتمع يحرص على التكافل والتواصل بين أبنائه."
وأوضح أنه لا يوجد حد أدنى أو أقصى لعضوية هذه الجمعيات، ولكن تشكيلها غالبا ما يأتي في إطار البلد أو العمل، بمعنى أن أبناء المدينة الواحدة ينزعون إلى تشكيل جمعية تحمل اسم مدينتهم بالسودان مثل "جمعية الجزيرة"، و"جمعية الكلاكلة"، و"جمعية أولاد القبة" و"رابطة أبناء دلقو المحس".
ويضيف: "وكذلك فإن العاملين في مكان أو مجال واحد قد ينشئون جمعية تحمل اسم المكان أو المجال الذي يعملون فيه، وأشهر الجمعيات في هذا الصدد "جمعية الصحفيين السودانيين"، وتقوم الجمعية التي تتخذ من العمل أساسا لنشأتها كجماعة ضغط للمطالبة بحقوقهم أو رد الظلم إذا وقع على أحدهم، وأفضل ما يميز السودانيين أنهم يتحركون كوحدة واحدة في الغربة.
إلا أن فتح يوسف- صحفي سوداني- يرى أن هناك جمعيات أخري تنشأ لهدف إنساني بحت ليس له علاقة بالبلد او العمل، مشيرا في هذا الصدد إلى جمعية الخطوة السودانية، وهي جمعية أنشئت لخدمة ذوى الاحتياجات الخاصة من أبناء الجالية السودانية بالمملكة العربية السعودية، وبين أن عدد كبير من السودانيات قد تطوعن لخدمة أبناء وطنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين قد تجاوز عددهم اكثر من 60 فردا.
ويضيف : بل قامت هذه الجمعية بتكوين علاقات متميزة مع بعض الأسر السودانية التي توجد لديها إعاقة لتوعيتهم وتدريبهم لكيفية التعامل مع ذوى الاحتياجات الخاصة.
النظم المادية في المدن المثالية
وعن مصادر تمويل هذه الجمعيات وآلية عملها يقول أحمد عبدالله – السكرتير المالي بإحدى الجمعيات : "إن هذه الجمعيات منظمات أهلية غير هادفة للربح تعتمد في المقام الاول علي اشتراكات الأعضاء، وكل عضو بالجمعية يلتزم بسداد اشتراك محدد يتم تقديره وفقا لحالة كل فرد، كذلك يتم انتخاب مجلس يسير أعمال الجمعية يتكون من سكرتير مالي وإداري وثقافي وتنفيذي إضافة لرئيس الجمعية، ويتم إعادة الانتخابات كل عامين."
ويشير الأستاذ أحمد إلى أن المبالغ التي يتم تجميعها لها العديد من أوجه الإنفاق، فجزء منها يذهب كإيجار لمقر الجمعية، وجزء آخر ينفق على في حالات الطوارئ والمناسبات، فمثلا المتزوج يأخذ 1500 ريال، ومن ينجب مولود يحصل على 500 ريال، ومن يكن عند حالة وفاة يأخذ 1500 ريال كل هذا كحد أدنى، بمعنى أن الجمعية تدفع هذه المبالغ بشكل فوري، فيما قد يقوم الأعضاء بجمع أموال إضافية.
ويقول أحمد إبراهيم، مصور سوداني : "إن أنشطة الجمعيات أيضا تأخذ نصيب الأسد في الإنفاق، مشيرا إلى إن أهم ما يسعى إليه السودانيين من خلال هذه الجمعيات هو تحقيق تواصل الأبناء مع أصدقائهم السودانيين الذين يشاركونهم نفس القيم والمفاهيم، وفي هذا الصدد تقيم الجمعيات مسابقات وندوات ثقافية وانشطة رياضية، ورحلات للترفيه وحفلات لتحقيق التواصل بين أبناء الجمعية الواحدة وتعميق الصلات الطيبة في جو من الترابط الأسري."
ويضيف: "إن هذا الأمر يزداد المناسبات الدينية، مثل شهر رمضان المبارك حيث تقام موائد افطار جماعي في مقر الجمعية، حيث تتشارك الاسر في اعداد وتقديم الإفطار، وكذلك في عيدي الفطر والأضحى."
ويضيف: "كذلك يعتبر مقر الجمعية سكنا دائما لعزاب المدينة أو الأشخاص الذين لاتسمح ظروفهم باستئجار منزل، وهي في كل الأحوال بمثابة دار لضيافة استقبال أي سوداني وافد حديثا للملكة."
ويقول محمد سليمان- شاب سوداني- أن لكل جمعية لوائح تنظم عملها، ولكن هذه اللوائح والنظم تحترم في المقام الأول قوانين وأنظمة وتقاليد البلد الذي نقيم فيه وبنود لائحات الجمعيات التنظيمية تنص صراحة على ذلك، ومن المبادئ العامة لهذه الجمعيات المساواة التامة بين الجميع في الحقوق والواجبات، والعمل على خدمة أعضاء الجمعية.
ويوضح أن دور الجمعية يمتد ليسهم بتنمية الوطن الأم، وتمويل مختلف الخدمات التي تحتاجها مدننا في السودان، مثل بناء المدارس وإنارة الطرق، وتطوير المستشفيات.
دولة خاصة
وعن سماح هذه الجمعيات لاشتراك غير السودانيين بها أوضح محمد أن الأصل في هذه الجمعيات أنها للسودانيين فقط ولكن قد يرتبط أي من اعضاء هذه الجمعية بصداقات قوية بأشخاص غير سودانيين ويبدون رغبتهم في الانضمام إلينا، في هذه الحالة نقبل اشتراكه لأن لسان حاله يقول:" لو لم أكن .... لوددت أن أكون سودانيا".
بقي أن نقول أن هذه الجمعيات نشأت بمبادرات فردية، واعتمدت في تمويلها على إسهامات ذاتية، ولم تكن لها أي صبغة رسمية، كما أن الانتخابات التي تجري داخلها قمة في النزاهة والشفافية، وكان سر نجاحها هي الحب بين أعضائها وعلاقاتهم الحميمية، وباختصار هذه الجمعيات هي محاولة لإنشاء دولة خاصة تحمل معايير وقيم لاتوجد في دولنا الحالية!!
|
أطبع
التحقيق |
أرسل التحقيق لصديق
|
|